وفي المقابل هناك مقالات تُكتب باللغة العربية تشكو إلى الله كمية اللحن الهائلة والركاكة والأخطاء النحوية الفادحة بل والإملائية أيضاً. وما يجري على المكتوب يجري على المنطوق... لا تحول دون ذلك الألقاب العالية من قبيل "الدكتور والباحث والمفكر والبروفيسور والأستاذ الجامعي والمحقق والمتخصص"... إلا ما رحم ربك. وعلى تفاوت طبعاً.
وإذا كان هذا على مستوى ذوي الألقاب فلا تسل عمّن دونهم. فالأمْر أمَرّ.
بعد هذا نأتي إلى روح المواضيع المطروحة وجوهرها لنجد الاهتمام بما لا يستحق أي اهتمام. ولنجد التفاهات تحتل الحيّز الأكبر من كل ما يتداوله المستهلكون للمعروضات الثقافية في مجملها، أما المواضيع العلمية الخالصة فلا يكاد أحد يحوم حولها. وبالمناسبة فقد لفت انتباهي مؤخراً عدد مشاهدات إحدى "الفيديوهات" على اليوتوب لأحد العلماء فوجدته 12 شخصاً ثم ألقيت نظرة فضولية على فيديو تافه من تافه فوجته يقترب من 900 ألف ومن المحتمل جداً أن يتجاوز المليون بعد أيام قليلة.
هذه هي الصورة المزرية التي وصلنا إليها مدفوعين دفعاً عن وعيٍ منا أو عن غير وعي.
والكارثة العظمى في تشبثنا بلغة المحتل حتى ونحن لا نحسن استعمالها على الإطلاق كتابة وتكلماً... بل بعضنا لا يجد حرجاً في كتابة اسمه أو وضع توقيعه بالحروف اللاتينية عن غفلة منه أو عن وعي. ولا أخفيكم امتعاضي واشمئزازي من بعض الحوارات الإذاعية وغير الإذاعية وأنا أسمع كلاماً مرقّعاً لا هو عربي ولا هو "دارجي" ولا هو فرنسي... في الجملة الواحدة تسمع كل ذلك الخليط الهجين.
إنها العُقد، فلكي يبرهن المتحدث على أنه مثقف وعصري يطلق عبارات وكلمات بالفرنسية محشوّة بكلمات عربية أو عامّية...
إنها الحقيقة الموغلة في التخلف وفي الروح الانهزامية التي ما عادت تبالي للذات ولا للهوية ولا للأصالة.
أما الأمازيغية فلا تعدو عندهم لغة السوق لا تتخطى المداشر والمناطق الأمازيغية وفي أحسن الأحوال في إذاعة موجهة الى الأمازيغ، كل هذا وهي لغة رسمية... فلا كتاب صدر بها ولا جريدة ولا مقالة ولا هم يحزنون. حتى من الذين بصدعون رؤوسنا بالدفاع عن الأمازيغية لا تسمع لهم ركزاً...
وما يؤسف حقاً هو أن ترى بعض الكتاب المتميزين بقلمهم العربي، وقد استهوتهم الكتابة بالعامية فانساقوا وراء ذلك واستمرؤوه. وهو عيب.
بقي أن أقول: إن تعلّم اللغات الأجنبية على قدر ما نستطيع مسألة ممدوحة ومطلوبة، فهي الجسور الناقلة إلى عالم الثقافات الأخرى المتعددة وسبل التواصل مع المجتمعات الأجنبية... وفي نفس الوقت تمكّن من نقل ثقافتنا الأصيلة والأصلية إلى الآخرين... فنتأثر ونؤثر دون ذوبان ولا انحلال.
وأظن أن هذا العيب تتحمله الجهة المحلية المسؤولة تحديداً.
أما في الأحياء العصرية والمحلات الراقية فلا يكاد البصر يقع على الحرف العربي فضلاً عن الحرف الأمازيغي.
فما الذي دهانا فأوصلنا إلى هذا الانحطاط الثقافي واللغوي؟ وما الذي ألجأنا إلى هذا التطبيع مع هذه التشوهات التعبيرية غصباً عن هويتنا وثقافتنا حتى بات منا من ينادي نهاراً جهاراً دون أن يرفّ له جفن باستبدال الدارجة باللغة العربية رسمياً في مدارسنا وجامعاتنا مع العلم أن الأمر هو كذلك في واقع الحال...
أجل، هو كذلك تفلتاً وهم يريدونه كذلك رسمياً.
أقول لكم: إن الحداثة الحقيقية والارتقاء بالمجتمع يبدأ من هنا، من شهامة الذات ومن الاعتزاز بالهوية وليس بالتقليد والإمّعية.
كتبه محمد الفزازي : رئيس الجمعية المغربية للسلام والبلاغ/ طنجة
شكرا لك .. الى اللقاء