تحقيق Najibpress..."زواج الفاتحة" بين "الحلال و المغامرة والتحايل على القانون من أجل التعدد..."✍️👇👇👇
في ظل استمرار حالات الزواج (غير الموثق) و في ظل غياب قانون دقيق يدافع عن حقوق و واجبات المرأة التي تزوجت بزواج الفاتحة بدون "سند قانوني"، وفي ظل غياب قانون يجرِّم كل من سوَّلت له نفسه أن يتحايل على القانون و يتاجر بالدين لقضاء مآربه الشخصية المتعلقة بـ"المعاشرة الزوجية" و "تصريف شهوته" عن طريق الزواج العرفي أو الزواج بالفاتحة، والذي انتشر انتشارا مخيفا في الآونة الأخيرة سواء من طرف الجالية المغربية المقيمة بالخارج أو مغاربة الداخل، وذلك بسبب العنوسة وتعدد الزوجات و تعقيدات قوانين الدول الغربية و التعديلات الجديدة لمدونة الأسرة المغربية، ستبقى الرياح للأسف الشديد تجري بما لا تشتهي السفن، وستبقى أعراض الناس تنتهك وتهضم حقوق المرأة في صمت.
في هذا التحقيق NajibPress سينبش في تاريخ زواج الفاتحة بالمغرب قبل إحداث الإدارات ومؤسسات العدول والمحاكم، وسيسلط الضوء على حكمه في الإسلام و أضراره من الناحية الفقهية والقانونية مع سبر أغواره، كما سيتطرق أيضا إلى التعريف به مع تبيان أركانه وشروطه وموانعه وفق مدونة الأسرة المغربية، ناهيك عن تصريحات لضحايا "زواج الفاتحة" وتصريحات خبراء وباحثين قانونيين وأساتذة جامعيين..، لكي نقرب القارئ المغربي أو زوار الموقع من أهمية واقع المغرب في العقود الفائتة، ثم مقارنته مع مايجري ويقع في مغرب القرن الواحد والعشرين، حتى نستطيع بَلْورة الصورة المصغّرة في صورة مكبّرة، لكن بتقنيات و وسائل و أفكار حديثة وهذا هو أساس تقدم الأمم ورفاهيتها.
إطلالة تاريخيّة ...
يعود تاريخ زواج الفاتحة بالمغرب في آواخر القرن العشرين، حيث كان المغاربة آنذاك يرتكز بالأساس على زواج الفاتحة بدون عقد أو وثيقة رسمية، ومنتشرا بكثرة في البوادي وقرى المغرب النائية بسبب قلة الوعي والأمية والجهل والفقر، فضلا عن استمرار العمل بالعرف والنيّة والثقة العمياء وفعل الأجداد والهشاشة وقلة ذات اليد وبُعد المكان، لاستعداد واجبات التنقل ورسوم التسجيل والتوثيق.
وفي بعض المناطق المغربية كان الزواج أيضا يتم عبر اتفاق أهل الطرفين فور وصول الفتاة لسن البلوغ،، يُعلن الزواج ويتم الاحتفال به وسط القبيلة كلها وتغادر العروس منزل أبيها إلى بيت زوجها، كل هذا مع ترك مسألة التوثيق إلى "اللقاء في السوق".
السوق هو التجمع الأسبوعي لأهل القرية والقرى المجاورة، ويكون في المركز الحضري الأقرب، وهي فرصة للتسوق وكذا قضاء المعاملات الإدارية المؤجلة.
طبيعة العلاقات بين أهل العالم القروي التي تغلب عليها البساطة وحسن الظن في الآخر، كانت تجعل توثيق الزواج عند "العدول" - المأذون - (مسؤول تابع لوزارة العدل) تبعثه الدولة، حاجة غير ملحّة قد تقضى وقد تترك، هذا وتكون "الكلمة" (أي الوعد) هو الميثاق الذي يربط الزوجين إلى نهاية حياة أحدهما، وفي بعض الحالات ورقة كتبت لكنها لم توثق.
هكذا بدأ "زواج الفاتحة" بالمغرب الذي تتوفر فيه كل شروط الزواج الشرعي من إشهار وقبول ومهر وشهود ...إلا أن قراءة "سورة الفاتحة" تحل محل "كتابة العقد"، لكن بعد إحداث الإدارات ومؤسسات العدول والمحاكم المتخصصة في الأسرة في سنة 1958 برز على السطح قانون الأحوال الشخصية ينظم مؤسسة الزواج، وبدأ العمل به منذ ذلك الزمن، حيث عرف عدة تعديلات إلى حين تم تغيير إسمه ليصبح "مدونة الأسرة" الصادرة في 5 فبراير من سنة 2004.
إلا أن قراءة "سورة الفاتحة" تحل محل "كتابة العقد"
وبعد مرور رَدْح من الزمن على زواج الفاتحة، وبعد خروج قانون ينظم الزواج ويؤطره إلى حيز التطبيق والتنفيذ، لازال هناك العديد من مغاربة العالم والداخل يتحايلون على القانون من أجل تعدد الزوجات وتزويج القاصرات، حيث يلجأون إلى زواج الفاتحة "غير الموثق" وبدون "سند قانوني" في خرق سافر للقانون، بغية قضاء مآربهم الشخصية المتعلقة بالمعاشرة الزوجية دون حقوق وواجبات المرأة ،حيث يعتمدون فقط على بعض الأركان والشروط لصحة الزواج دون توثيقه في الجهات الرسمية، ونذكر على سبيل المثال (قراءة الفاتحة، الإيجاب والقبول،المهر، إذن الولي ، الشهود...الخ).
وبسبب مشاكل زواج الفاتحة (غير الموثق) عرفت المحاكم المغربية في الآونة الأخيرة إكتضاضا مهولا نظرا لأنه يخالف القانون ويحرم المرأة من حقوقها وواجباتها، فضلا عن عدم الإعتراف بالأبناء في حالة الإنجاب، ناهيك عن تعرض الزوجين لتهمتي الخيانة الزوجية والفساد بالنسبة للرجل المتزوج من امرأة أخرى وتهمة الفساد بالنسبة للمرأة في حالة إذا تمَّ ضبطهم متلبسين في الشارع العام أو الفندق أو في المنزل، لأن "القانون لا يحمي المغفلين".
لماذا التجأ المشرع المغربي لوقف العمل بالمادة 16 من مدونة الأسرة؟؟؟
وعلى إثر ذلك كانت محكمة الأسرة في المغرب تسمح للمتزوجين بدون سند قانوني "إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، بأن يوثق العقد عن طريق دعوى سماع الزوجية وتعتمد سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة" لفك هذه المعضلة الإجتماعية، فضلا عن إدخال الأبناء في سجل الحالة المدنية، بعد حدوث مثل هاته المشاكل، وهو الشيء الذي دفع بعض الفئات من هؤلاء المتحايلون على القانون لاستغلال هاته الثغرة القانونية والإقدام على تزويج القاصرات وتعدد الزوجات.
لكن بعد ارتفاع معدل مشاكل زواج الفاتحة غير الموثق في المحاكم المغربية، حسب الإحصاءات الرسمية من 6 آلاف و918 حكما سجل سنة 2004 إلى 23 ألفا و 57 حكما سنة 2013, حيث تعلقت نسبة كبيرة من هذه الأرقام بحالات زواج حديثة أبرمت بالمدن وأحيانا من طرف أشخاص لهم "مستوى علمي متقدم"، قررت لجنة تعديل مدونة الأسرة بأن تنهي فترة انتقالية أقرتها مدونة الأسرة لتوثيق زواج الفاتحة بالمغرب، بعدما دامت أكثر من 15 سنة منذ انطلاق العمل بمدونة الأسرة سنة 2004؛، حيث انتهت هذه الفترة خلال سنة 2019, وهو ما يجعل الحكومة أمام مفترق طرق للتعاطي مع ما أنتجته مقتضيات المادة الـ16 من مدونة الأسرة التي تنص على أن "وثيقة عقد الزواج تعتبر الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج..."، في ظل استمرار حالات الزواج "غير الموثق".
شهادات لضحايا "زواج الفاتحة" غير الموثق في المغرب
(خسر عليا رسالة وحدة في الواتساب "أنت طالق مكنعرفكش" بلا حقوق بلا واجبات..)، هاته العبارة صرحت بها (كريمة) إحدى الفتيات ضحايا زواج الفاتحة بالمغرب للصحافة، بعدما دامت علاقتها الزوجية أكثر من 5 سنوات، حيث أوضحت أنها تزوجت على سنة الله ورسوله فيما يعرف بـ "زواج الفاتحة"، بجميع شروط وأركان الزواج لكن بدون عقد الزواج الذي يحرره عدلان في المحكمة الإبتدائية والمحكمة الشرعية. لتتفاجأ بعد حملها بطفل أنها مجرد "خليلة" كانت تمارس العلاقة الزوجية خارج إطار مؤسسة الزواج المعترف به من طرف الدولة والقضاء والمشرع المغربي .
من جانبها تحكي (سميرة) سيدة تبلغ من العمر حوالي 46 سنة كيف تعرفت على زوجها قبل أشهر، متزوج من الجالية المغربية وأب لثلاثة أطفال ، اتفقا قبل أسابيع على الزواج بالفاتحة، وحجتهم في ذلك تفادي غضب الزوجة الأولى والخوف من مطالبتها بالتطليق وما يترتب عن ذلك من مشاكل أسرية هم في غنى عنها مثل "الاستحواذ على المنزل ونصف ثروة الزوج"، حيث أوضحت أنه في بداية الأمر واعدها بتوثيق العقد، لكن بعدما عقل وفهم اجراءات مسطرة التعدد في المغرب والخارج، تراجع واستعمل سياسة" الدسيسة والمكر والخديعة"، وبدأ يتلوّن كالحِرْبَاءْ، هذا و بعد مرور أشهر قليلة على هذا الزواج "غير الموثق"، توضح سميرة بالعامية (كاع هدكشي لكان وعدني بيه فالأول تبخر من بعد ما قضى بيا حاجتو وانا ندمانة بزاف مني تسرعت وخذيت هذا القرار استغلني واستغل والديا مافحالهمش ودار بيا ما بغا مانسمحليه لا في دنيا لا في اخرة..) تضيف سميرة إحدى الفتيات ضحايا زواج الفاتحة بالمغرب.
من جهتها قالت ليلى شابة في عقدها الثاني للصحافة والمعروفة إعلاميا بضحية "المحامي المشهور"، "تعرفت على رجل متزوج من محامية وهو أيضا يشتغل كمحامي بهيئة الدارالبيضاء، فطلب مني الزواج عن طريق "زواج الفاتحة" فقبلت بذلك، حيث تقدم لخطبتي في المنزل بحضور أهلي وأحد أقربائه، دون علم زوجته الأولى ووثقنا لحظات الخطوبة بالصور والفيديو، هذا وعشت معه لحظات جميلة في بداية الأمر، لكن بعدما قضيت معه بضعة أشهر و بدأت تظهر علي علامات الحمل، فقررت أن أصارحه بالأمر، لأتفاجأ بجوابه الخالي من اللباقة واللياقة والأدب والكياسة، (مغديش نعترف بيه)، فقررت أن ارفع عليه دعوة "إثبات النسب" لطفلتي الصغيرة، فوجدت نفسي متابعا قضائيًا من طرف زوجته بعدما علمت بالأمر بتهمتي (الفساد والابتزاز)".
فوجدت نفسي متابعا قضائيًا من طرف زوجته بعدما علمت بالأمر بتهمتي (الفساد والابتزاز)"
وأضافت المتحدثة ذاتها أن قضيتها أصبحت قضية "رأي عام"، مؤكدة أنه لولا الشعب المغربي الذي تضامن معها والجمعيات النسائية وبعض المحامين الشرفاء الذين ترافعوا عليها بكل استماتة وقوة لما أطلق سراحها من سجن عكاشة، قائلة بالعامية "الله ياخد فيهم الحق اشنو ذنب البنت، حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله ونعم الوكيل، حقي بقا عند الله ..).
الفقر يقود للتعدد لكن هذه المرة بـ(التراضي وبعقد محدد)
من جهتها قالت أمينة في تصريح صحافي "لقد تزوجت برجل ميسور يعيش في المملكة العربية السعودية متزوج من امرأتين وبموافقتهما تمَّ إبرام زواج الفاتحة بعقد موثق مدته (سنتين) أو ما يعرف بـ(زواج الكونترا) ، حيث اشترط علي في بداية الأمر أن أشتغل عنده كخادمة في البيت وفي نفس الوقت كزوجة ثالثة مقابل راتب شهري يقدر بـ6000 درهم يرسله لعائلتي في المغرب ..، فقبلت على الفور ولم أتردد رغم أنني أعرف عواقب ما أقوم به، لأن أسرتي فقيرة وتحتاج للمساعدة المادية وهي على علم بذلك، مضيفة "لكن بعدما دامت هاته العلاقة قرابة السنتين، بدأت تظهر عليه ملامح الإشباع، فقرر الانفصال وقال لي بالحرف "انتهت مدة صلاحيتك"، لتجد نفسها رهينة رجل استغلها جنسيا و عمليا، مكتشفة في آخر المطاف أنه متزوج من امرأة رابعة و بالنفس الطريقة التي تزوج بها وبمباركة زوجاته الأولى والثانية، مشيرة إلى أنه في كل سنتين يستبدل زوجات أخرى بنفس الطريقة عن طريق (زواج الفاتحة)، كأنه يستبدل "سيارة جديدة"، (حسبي الله ونعم الوكيل فيه، حسبي الله ونعم الوكيل...) تضيف أمينة إحدى السيدات ضحايا زواج الفاتحة بالمغرب.
"زواج الفاتحة"... بين "الفقه والقانون والمجتمع"
كان هذا العنوان أعلاه هو عنوان لندوة دولية علمية نظمت حول "زواج الفاتحة" بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط بشراكة مع مؤسسة رزان للدراسات الاستراتيجية حول الأسرة والمجتمع، والجمعية الجهوية للاتحاد الوطني لنساء المغرب، وبمشاركة وحضور مسؤولين حكوميين وأساتذة جامعيين وخبراء قانونيين وفاعلين جمعويين ، قبل ثلاث سنوات مضت من يومنا هذا، حيث تم نقاش موضوع زواج الفاتحة من منظور دين الإسلام خلال الجلسة الاولى بمدرج الشريف الإدريسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط، الذي يعتبر الزواج رباطا مقدسا وميثاقا غليظا بين الرجل والمرأة، وأساس بناء مؤسسة أسرية متينة ومتضامنة عمادها السكن والتعاون، وقوامها الأخلاق والقيم، ولحمتها التفاهم والحوار والوعي التام بالمسؤولية المنوطة بكل فرد من أفرادها، وذكر في محاور الندوة ان الشريعة أحاطت كل ذلك بترسانة من الأحكام الشرعية غايتها حماية الأسرة، من خلال بنائها على مقاصد شرعية واضحة، تصون الأسرة من التسيب والفساد والانحراف، وحفظا لحقوق جميع أفرادها.
زواج الفاتحة لا يخضع للرقابة القضائية القبلية، مثل رقابة قاضي الأسرة
كما جاء ضمن مداخلات الندوة ان تطور المجتمعات الإنسانية وتغير أحوالها وأعرافها… ، جعل الاجتهاد والتجديد في القضايا الأسرية اساس تحقيق المقاصد المرعية ضرورة شرعية وحضارية، ومن أهم هذه القضايا، مسألة زواج الفاتحة، الذي لا يخضع للرقابة القضائية القبلية، مثل رقابة قاضي الأسرة، أو القاضي المكلف بشؤون القاصر على مقصد مدونة الأسرة والذي هو إخضاع جميع انواع الزواج لهذه الرقابة، كما أن هذا الزواج لا يوثق على يدي عدلين، خلافا لما جرى به العرف عند المغاربة منذ قرون عديدة.
وفي سياق متصل أجمع المشاركون في هذه الندوة العلمية على الأهمية التي يكتسيها ثبوت الزوجية بما يضمن مصالح وحقوق الأسرة والمجتمع.، موضحين أن زواج “الفاتحة” لا يضمن أي حقوق للمرأة، ويكشف عن ثغرة في مدونة الأسرة توظف في كثير من الحالات للتحايل على القانون وخرق المقتضيات الحمائية التي تضمنتها المدونة، مما يستدعي تعديلا تشريعيا.
وأكد المشاركون على أن الوسيلة الوحيدة لإثبات الزواج هي عقد الزواج، ذلك “أن الفقه المالكي يؤكد على ضرورة الإشهاد بالكتابة في جميع المعاملات الفقهية من زواج وطلاق وغيرها”، مبرزين أن زواج “الفاتحة” يمثل إشكالا قانونيا يتعين تجاوزه، وأن المشرع المغربي، في الفقرة الثانية من المادة 16 من مدونة الأسرة، يؤكد على أنه لا يمكن إثباث الزواج إلا عن طريق العقد الموثق عند العدول وفي المحاكم المختصة، مسجلين في هذا الاطار، أنه بمجرد حدوث خلاف بين طرفي زواج “الفاتحة” أو بين الزوجة وبين أهل الزوج يجعلها دون أية حماية قانونية ، وذلك في غياب أي وثيقة تؤكد وجود العلاقة الزوجية، مشددين على ضرورة تسوية أوضاع الزواج غير الموثق من خلال دعوى ثبوت الزوجية.
“الفقه المالكي يؤكد على ضرورة الإشهاد بالكتابة في جميع المعاملات الفقهية من زواج وطلاق وغيرها”
كما أن هذا النوع من الزواج، حسب المشاركين، قد تكون لها تداعيات اجتماعية تهدد بناء الأسرة وضياع حقوق المرأة في حالة الطلاق، وكذا ضياع حقوق الزوجين في حالة وفاة أحدهما. وأبرزوا الآثار السلبية لهذه الظاهرة على الأطفال الذين يحرمون من التربية في كنف الأبوين، مضيفين أن دور المجتمع المدني كقوة اقتراحية مهم في الترافع من أجل تغيير وتعديل المواد القانونية التي تفتح المجال للزواج غير الموثق.
من جهة أخرى، اعتبر المشاركون أن المشرع وفي إطار تيسير إجراءات الزواج للمغاربة المقيمين في الخارج، سمح لهم وفق المادة 14 من مدونة الأسرة بإبرام عقود الزواج وفقا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد إقامتهم، بشرط توفر الإيجاب والقبول والأهلية والولي عند الاقتضاء.
أضرار "زواج الفاتحة"
لقد أفرز زواج الفاتحة بالمغرب مشاكل خطيرة تهدد بناء الأسرة، وتمس بالخصوص مصالح الزوجة والأبناء، نظرا لعدم اعتراف القانون المغربي به، ومن هذه المشاكل عدم قدرة الزوجين على إثبات الزوجية، وضياع حقوق المرأة في حالة الطلاق، وضياع حقوق الزوجين في حالة وفاة أحدهما، فضلا عن الآثار المترتبة عن المشاكل المرتبطة بنظام الحالة المدنية، وهي من المشاكل المستعصية التي تظل معلقة بدون حلول، هذا إلى جانب سهولة انكار الزوجية من طرف أحد الزوجين.
وتدل حالات كثيرة على أن الأصل في شيوع هذه الصيغة هو وجود نية التحايل خاصة لدى الرجال لأسباب متعددة، مما يجعلهم يلجأون في البداية إلى اقتراح زواج الفاتحة فقط في انتظار توثيق الزواج، ثم يضعون النساء أمام الأمر الواقع بعد ذلك، كما تلجأ إليه بعض النساء بخلفية التحايل على القانون أيضا في حالات خاصة وجدير بالذكر أن زواج الفاتحة الذي أصبح شائعا في المدن يختلف اختلافا جذريا عن زواج الفاتحة المعروف في البوادي المغربية، وخاصة لدى بعض سكانها، والذي كان محميا بمجموعة من الأعراف القبلية الصارمة التي لا تخالف الشرع عمومها، والتي كانت تجعل الجماعة حامية لحقوق الرجل والمرأة والأبناء على السواء.
بـ"زواج الفاتحة" تضيع الحقوق
قالت مارية الشرقاوي، كاتبة وباحثة في قضايا المرأة والأسرة، في تصريح صحافي بخصوص موضوع "زواج الفاتحة" : “هناك مسألة مهمة جدا تتعلق بالقانون المؤطر للزواج، والذي تتضمنه مدونة الأسرة التي تنص على ضرورة وجود عقد زواج لإثبات العلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة، وبالتالي فزواج الفاتحة يفتقد لعقد موثق، ولن يترتب عليه أي آثار قانونية مثلما يحدث في عقود الزواج الموثقة”، مؤكدة على أنه ومن خلال الواقع اليومي المعاش “نجد أن زواج الفاتحة لازال منتشرا لأغراض عديدة، والتي تعتبر في العديد من الجوانب رغبة أطراف زواج الفاتحة في التحايل على القانون لأسباب متعددة؛ كتزويج القاصرات في حالة رفض قاضي الأسرة منح الإذن بتزويجهن، أو في حالة عدم حصول الرجل المتزوج على الإذن بالتعدد”، ناهيك عن استغلال الرجال "الزواج الإسلامي" من أجل التهرب من المسؤولية".
ناهيك عن استغلال الرجال "الزواج الإسلامي" من أجل التهرب من المسؤولية"
وأضافت المتحدثة ذاتها، أنه في أحيان كثيرة، “يكون الهدف من اختيار زواج الفاتحة، هو المتعة المحددة في الزمن، لا سيما في صفوف الرجال المتزوجين الذين يختارون نساء مستقلات ماديا، لا تكلفهم شيئا، أو يستغلون نساء فقيرات يرغبن في من يعيلهن، ويكون سندا لهن، فيتم اللجوء إلى زواج الفاتحة للإحساس بالاطمئنان النفسي، وبعدم مخالفة شرع الله، وأن العلاقة بينهما لن تخدش عقيدتهما”، مشيرة إلى أن “عدم استحضار المعنيين للآثار الكارثية الناجمة عن هذا التحايل على القانون، والمتمثلة في عدم قدرتهما على إثبات الزواج خاصة أن المغرب أوقف مسطرة ثبوت الزوجية، وبالتالي تضيع حتما حقوق المرأة خصوصًا عند الطلاق، وتضيع حقوق كلا الطرفين في حالة وفاة أحدهما كالإرث مثلا”.
وأوضحت الباحثة القانونية أنه بالرغم من كل سلبيات زواج الفاتحة، “إلا أن هناك من هو مستمر في ممارسته ضاربا عرض الحائط كل الآثار الكارثية التي من الممكن أن تنجم عنه، و أيضا إمكانية متابعتهما حسب القانون الجنائي المغربي بجريمة الفساد، أو الخيانة الزوجية في حق الرجل المتزوج استنادا للفصل 490 من القانون الجنائي”، حيث أن هذا الفصل، الذي ذكرته الباحثة هو واحد من فصول قانون العقوبات المثير للجدل في المغرب، والذي ينص على أن “كل علاقة جنسية بين رجل و امرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية تكون جريمة فساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة”.
حكم" زواج الفاتحة" في الإسلام
من جهتها قال الشيخ الدكتور مصطفى الهلالي بخصوص حكم "زواج الفاتحة" في الإسلام، " أولا الزواج فهو ميثاق غليظ له علاقة بالعرض والنسب، فهو آية من آيات الله عز وجل، والشريعة الإسلامية جاءت بتشريعات صارمة بخصوص هذا الأمر، مضيفا "فزواج الفاتحة لا بد أن تتوفر فيه جميع الشروط والأركان من بينها "الإيجاب والقبول"، "المهر"، "إذن الولي"، و "الشهود"، ثم "التوثيق" ، فالتوثيق واجب وضروري من أجل الحفاظ على "حقوق الزوجين"، مضيفا أنه في حالة إذا توفي أحد الزوجين أو اختفى الزوج ولم يطلق زوجته، فهنا سنسقط في مشكلة عويصة، حيث ستصبح المرأة "معلَّقة"، لكن في حالة إذا التجأت الزوجة للقضاء من أجل رفع دعوة الميراث أو دعوة التطليق، في هذه الحالة يمكن للمحكمة أن تنصفها وترد لها الاعتبار بحكم أنها تتوفر على وثيقة تضمن الحقوق،.
ستصبح المرأة في نظر القانون والمجتمع "خليلة" وليست "حليلة"
هذا من جهة أما من جهة أخرى في حالة إذا كانت الزوجة لم تتوفر على وثيقة رسمية معترف بها من طرف الدولة، في "زواج الفاتحة" يضيف الدكتور مصطفى الهلالي، فإن المرأة في هذه الحالة ستعرض نفسها للمخاطرة والمغامرة والمساءلة القانونية وحتى السجن لأنها ستصبح في نظر القانون والمجتمع "خليلة" وليست "حليلة"، علما أن أركان الزواج كلها متوفرة من "إيجاب وقبول" ، "صداق"، "الشهود" و الإعلان، أما إذا كان الأمر مختلف تماما عن هذا، مثل ما يجري ويقع اليوم في زواج الفاتحة، حيث يلتقي شخص بامرأة ويقول لها سأتزوجك خفية بدون علم اهلك وتقول له (زوجتك نفسي)، أو يأتي بشهود يوصيهم بعدم إخبار أي شخص بهذا الزواج، فهذا يدخل ضمن خانة "نكاح السر"، منبها جميع النساء المقبلات على الزواج في المستقبل بأن يوثقوا زواجهم حفاظا على حقوقهم وواجباتهم، مسترسلا بالقول : الشخص الذي يشتري سيارة او بقعة أرضية فهو يشتريها بملكية وبعقد مكتوب وليس بقراءة الفاتحة أو سورة الكافرون، فبالأحرى أن يتزوج امرأة "بدون عقد".
من جهته أدلى الشيخ شريف السليماني بصفته (إمام مسجد) بدلوه في هذا الموضوع عبر قناته الرسمية في اليوتوب قائلا : ، "إن "زواج الفاتحة" هو الزواج الذي يحرص طرفاه (الزوج و الزوجة) أو أحدهما على عدم تسجيل عقد الزواج وترسيمه لدى الإدارات والجهات الرسمية، حيث يكتفون فقط ببعض الأركان ولا يسجل لدى السلطات الرسمية، مؤكدا أن هناك الكثير من العواقب الوخيمة التي تترتب عنه والناس لا يبالون بها، مشيرا إلى أن هناك بعض الناس يوجهون لك دعوة بصفتك إمام مسجد لكي تحضر معهم، وعندما ترفض، يقولون لك إن هذا الزواج حلالا كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تكن عقود الزواج تسجل هكذا فلماذا رفضت ذلك؟، موضحا بأن هذا الأمر يدخل ضمن (القياس مع الفارق) ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان عدد المؤمنين قليل جدا والناس يعرفون بعضهم وإلى حد قريب كان الناس في القرى يقسِّمون حتى الأملاك والتركات والإرث بدون توثيق لأن الناس كانوا يتقون في بعضهم ثقة عمياء.
أما الآن يضيف الشيخ السليماني فقد أصبح عدد المسلمين أكثر من مليار ونصف فيأتي شخص لاتعرف أصله وفصله ولا نسبه وتأتي سيدة كذلك وتريد أن تعقد لهم وليست لديك وثائق تثبت لك من هؤلاء الأشخاص، مبرزا أن هذه الواقعة قد حدثت بالفعل مع شخص مقيم بالديار الهولندية، حيث كان يذهب إلى أي مدينة ويتزوج بإمرأة عن طريق (زواج الفاتحة) حتى تجاوز العدد المشروع في الزواج، (خمسة أو ستة) وبالتالي فالإمام في هذه الحالة لا يستطيع إثبات هذا الزواج لأنه لا يتوفر على الإمكانيات اللازمة الموجودة بحوزة المحاكم و الإدارات والمؤسسات الرسمية وهذا أمر خطير يجب التصدي له بحزم، متسائلا : إذا كنت تحب إمرأة وتريدها على سنة الله ورسوله، اذن فلماذا تتفادى توثيق هذا الزواج ؟؟، خاتما قوله "مادام الإنسان لا يريد التوثيق فهناك نيّة في نفسه و سبب يمنعه من ذلك.
ومن بين هذه الأسباب يضيف الإمام الشريف السليماني (التهرب الضريبي) بمعنى أن هذا الشخص تكون له تعويضات من طرف الدولة ولا يريد أن يضيعها، وبالتالي فهذا الأمر يدخل ضمن خانة "التدليس والتزوير"، أما إذا كان صادقا في وعده فعليه أن ينتظر حتى يسوي وضعيته الأسرية إما عن طريق (الطلاق أو تعدد شرعي موثق)، مضيفا فزواج الفاتحة في عصرنا الحالي لا تعتد به محكمة ولا قاضي ولا مشرع مغربي، مؤكدا بأنه في حالة نشب خلاف بين الزوجين فلا يمكن لأحد منهما أن يطالب بحقه في محكمة الأسرة، والخطير في الأمر هو أن المرأة هي الحلقة الأضعف في هذا الملف، وبالتالي سيقودهم هذا الزواج والإشهاد عليه من قبل إمام مسجد إلى متابعات قضائية وإلى السجن، موضحا بأن زواج الفاتحة لا يضمن (حق الزوج ولا الزوجة)، محذرا جميع النساء المقبلات على الزواج وأولياء أمورهم بألا يوافقوا على مثل هذا الزواج لأقربائهن مستقبلا لأنه يخالف القانون و لا يضمن "الحقوق والواجبات".
تعريف الزواج :
تنص المادة 4 من مدونة الأسرة على أن : "الزواج هو ميثاق تراضي وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين ".
أركان وشروط إبرام عقد الزواج
يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية:
1. أهلية الزوج والزوجة؛
2. عدم الاتفاق على إسقاط الصداق؛
3. وليّ الزواج عند الاقتضاء؛
4. سماع العدلين التصريح بالإيجاب والقبول من الزوجين وتوثيقه؛
5. انتفاء الموانع الشرعية.
المرجع: المادة 13 من مدوّنة الأُسْرَة الصادرة في 05 فبراير 2004
موانع الزواج :
موانع الزواج قسمان
: مؤبدة ومؤقتة.
الموانع المؤبدة هي:
1. المحرمات بالقرابة أصول الرجل وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل وإن علا؛
2. المحرمات بالمصاهرة، أصول الزوجات بمجرد العقد، وفصولهن بشرط البناء بالأم، وزوجات الآباء وإن علوا، وزوجات الأولاد وإن سفلوا بمجرد العقد؛
3. يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والمصاهرة. ويعد الطفل الرضيع خاصة، دون إخوته وأخواته، ولداً للمرضعة وزوجها. كما لا يمنع الرضاع من الزواج، إلا إذا حصل داخل الحولين الأولين قبل الفطام.
والموانع المؤقتة هي:
1. الجمع بين أختين، أو بين امرأة وعمتها أو خالتها من نسب أو رضاع؛
2. الزيادة في الزوجات على العدد المسموح به شرعا؛
3. حدوث الطلاق بين الزوجين ثلاث مرات، إلى أن تنقضي عدة المرأة من زوج آخر دخل بها دخولاً يعتد به شرعا.
كما أن زواج المطلقة من آخر يبطل الثلاث السابقة، فإذا عادت إلى مطلقها يملك عليها ثلاثاً جديدة؛
4. زواج المسلمة بغير المسلم، والمسلم بغير المسلمة ما لم تكن كتابية؛
5. وجود المرأة في علاقة زواج أو في عدة أو استبراء.
ختاما..بعد الخوض والغوص في بحر التحقيق والتحليل والنقاش في موضوع "زواج الفاتحة" في المغرب بين الفقه والقانون والمجتمع،، وبعدما جسّدنا وبيّنا لكم الواقع المرير الذي عاشته الأسر المغربية، وكشفنا النقاب والمحجوب عن خفايا "زواج الفاتحة" وخباياه، سنترك لزوار وقراء موقع NajibPress الإلكتروني الفصل والحكم الأخير في هذا التحقيق حتى يتبين لهم الحق من الباطل والصالح من الطالح ولكم التعليق.. .
تحقيق... يوسف نجيب {صحافي و كاتب}
100 HOT PRICE100 HOT PRICE
شكرا لك .. الى اللقاء